فصل: تفسير الآيات (4- 6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجواهر الحسان في تفسير القرآن المشهور بـ «تفسير الثعالبي»



.تفسير الآيات (19- 25):

{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}
وقوله سبحانه: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى...} المعنى: أسواءٌ مَنْ هداه اللَّه، فَعَلِمَ صدْقَ نبوَّتك، وآمن بك؛ كمن هو أعمَى البصيرةِ باقٍ على كُفْره؛ روي أنَّ هذه الآية نزلَتْ في حمزةَ بْنِ عَبْدِ المطَّلب، وأَبِي جَهْل، وهي بَعْدَ هذا مثَالٌ في جميع العالم، {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب}: {إِنما}؛ في هذه الآية: حاصرة، أي: إِنما يتذكَّر، فيؤمن ويراقب اللَّه مَنْ له لُبٌّ، ثم أخذ في وصفهم، فقال: {الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله...} الآية: قال الثعلبيُّ: قال عبد اللَّهِ بنُ المبارَكِ: هذه ثمانِ خِلاَلٍ مسيِّرةٌ إِلى ثمانيةِ أبوابِ الجنةِ، وقال أبو بَكْرٍ الوَرَّاقُ: هذه ثمانِ جُسُورٍ، فمن أراد القربة مِنَ اللَّه عَبَرَهَا. انتهى. وباقي الآية ألفاظها واضحَة، وأنوارها لِذَوِي البصائر لائحَةْ.
{وَيَدْرَءُونَ}: يدفعون.
قال الغَزَالِيُّ: لما ذَكَرَ هذه الآيةَ: والذي آثر غُرُورَ الدنيا على نعيمِ الآخرةِ، فَلَيْسَ من ذوي الأَلْبَابِ، ولذلك لا تَنْكَشِفُ له أَسْرارُ الكتاب، انتهى.
و{جنات}: بدل من {عُقْبَى} وتفسيرٌ لها، و{عَدْنٍ}: هي مدينةُ الجَنَّة ووَسَطُها، ومعناها: جنَّات الإِقامة؛ مِنْ عَدَنَ في المَكَانِ، إِذا أقام فيه طويلاً، ومنه المَعَادِنُ، و{جنات عَدْنٍ}: يقال: هي مَسْكن الأنبياءِ والشُّهَداء والعُلَماء فَقَطْ؛ قاله عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي، ويروَى أَنَّ لها خَمْسَةَ آلافِ باب، وقوله: {وَمَن صَلَحَ}: أي: عمل صالحاً، {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سلام عَلَيْكُم}: أي: يقولون: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، والمعنى: هذا بما صَبَرْتُم، وباقي الآية واضحٌ.
وقوله سبحانه: {والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله...} الآية: هذه صفةُ حالٍ مضادَّةٍ للمتقدِّمةِ- نعوذ باللَّهِ من سَخَطه-.

.تفسير الآيات (26- 29):

{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}
وقوله تعالى: {الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاءُ...} الآية: لما أخبر عَمَّن تقدَّم وصفه بأنَّ لهم اللعنةَ وسُوءَ الدار، أنْحَى بعد ذلك على أغنيائهم، وحقَّر شأنهم وشَأْنَ أموالهم، المعنى: إِنَّ هذا كلَّه بمشيئة اللَّه يَهَبُ الكافرَ المالَ؛ ليهلكه بِهِ، ويَقْدِرُ على المؤمِنِ؛ ليُعْظِمَ ذلك أَجْرَهُ وذُخْرَهُ.
وقوله: {وَيَقْدِرُ}: من التَّقْدِيرِ المناقِضِ للبَسْط والاتساع.
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ...} الآية: رد على مقترحي الآيات من كفَّار قريشٍ؛ كما تقدَّم.
وقوله سبحانه: {الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله}: {الذين}: بدلٌ مِنْ- مَنْ في قوله: {مَنْ أَنَابَ}، وطمأنينة القلوبِ هي الاستكانة والسرورُ بذكْر اللَّه، والسكونُ به، كمالاً به، ورضاً بالثواب عليه، وجودة اليقين، ثم قال سبحانه: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب}: أي: لا بالآياتِ المُقْتَرحةِ التي ربَّما كُفِرَ بعدها؛ فنزل العذاب، {والذين} الثاني: مبتدأ، وخبره {طوبى} لَهُمْ.
واختلف في معنى {طوبى}، فقال ابن عباس: {طوبى}: اسمُ الجنَّةِ بالحَبَشِيَّةِ، وقيل: {طوبى}: اسم الجنَّة بالهِنْدِيَّة، وقيل: {طوبى}: اسم شجرة في الجنَّة، وبهذا تواترتِ الأحاديثُ؛ قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى اسم شَجَرَةٍ في الجَنَّةِ يَسِيرُ الرَّاكِبُ المُجِدُّ في ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا...» الحديث.
قال * ص *: {طوبى}: فُعْلَى من الطِّيب، والجمهور أنها مفردٌ مصْدَرٌ؛ كل سُقْيَا وبُشْرَى.
قال الضَّحَّاك: ومعناها: غِبْطَةً لهم، قال القُرطُبيُّ: والصحيحُ أنها شجرةٌ؛ للحديث المرفوع. انتهى.
* ت *: وروى الشيخُ الحافظ أبو بكْرٍ أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثابتِ بنِ الخَطِيبِ البَغْدَادِيُّ في تاريخه، عن شيخه أبي نُعَيْمٍ الأَصبهانيِّ بسنده عن أبي سَعِيدٍ الخدريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِمَنْ رَآكَ وَآمَنَ بِك! قَالَ: «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، ثُمَّ طُوبَى، ثُم طُوبَى، ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا طُوبَى؟ قَالَ: «شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ مَسِيرَةَ مِائَةِ سَنَةٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا». انتهى من ترجمة أحمد بن الحَسَن.

.تفسير الآيات (30- 32):

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
وقوله تعالى: {كذلك أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ}: أي: كما أجرينا عادَتَنا، {كذلك أَرْسَلْنَاكَ...} الآية.
وقوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن}: قال قتادة: نزلَتْ في قريش: لما كُتِبَ في الكتاب: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} في قصَّة الحُدَيْبِيَة، فقال قائلهم: نَحْنُ لاَ نَعْرِفُ الرحمن.
قال * ع *: وذلك منهم إِباءةُ اسم فقطْ، وهروبٌ عن هذه العبارة التي لم يَعْرِفُوها إِلا مِنْ قِبَل النبيِّ عليه السلام، وال {مَتَابِ}: المرجعُ؛ ك المآب لأن التوبة هي الرجُوعُ.
وقوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجبال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض...} الآية: قال ابن عباس وغيره: إِن الكفَّار قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أزِحْ عَنَّا وَسَيِّرِ جَبَلِيْ مَكَّةَ، فَقَدْ ضَيَّقَا عَلَيْنَا، واجعل لَنَا أَرْضَنَا قِطَعَ غِرَاسَةٍ وَحَرْثٍ، وَأَحْي لَنَا آبَاءَنَا وَأَجْدَادَنَا، وَفُلاَناً وفُلاَناً، فنزلَتِ الآيةُ في ذلك معلمةً أنهم لا يُؤْمِنُونَ، ولو كان ذلك كله.
وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا...} الآية: {يَيْئَس}: معناه: يعلم، وهي لغة هَوَازِنَ، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وجماعة: {أَفَلَمْ يَتَبَيَّن}، ثم أخبر سبحانه عن كُفَّار قريشٍ والعرب؛ أنهم لا يزالُونَ تصيبُهُم قوارِعُ من سرايا النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغزواته، ثم قال: «أَوْ تُحَلُّ أَنْتَ يَا محمَّد قريباً من دارهم». هذا تأويلُ ابنُ عَبَّاس وغيره.
وقال الحسنُ بن أبي الحَسَن: المعنى: أو تَحُلُّ القارعةُ قريباً من دارهم، و{وَعْدُ الله}؛ على قول ابن عباس وغيره: هو فَتْحُ مَكَّة، وقال الحسن: الآيةُ عامَّة في الكُفَّارِ إِلى يوم القيامة، وإِنَّ حال الكَفَرة هَكَذَا هي إِلى يوم القيامة، {وَعْدُ الله}: قيامُ الساعة، وال {قَارِعَةٌ}: الرزيَّة التي تقرع قلْبَ صاحبها.
وقوله سبحانه: {وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ...} الآية: تأنيسٌ وتسليةٌ له عليه السلام، قال البخاري: {فَأَمْلَيْتُ}: أي: أطلت من المليي والملاوة؛ ومنه: مَلِيًّا، ويقال للواسِعِ الطويلِ من الأرض: مَلًى من الأرض. انتهى.

.تفسير الآيات (33- 35):

{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
وقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}: أي: أهو أحقُّ بالعبادة أم الجمادات.
وقوله: {قُلْ سَمُّوهُمْ}: أي: سَمُّوا من له صفاتٌ يستحقُّ بها الألوهية، و{مَكْرُهُمْ}: يعم أقوالهم وأفعالهم التي كانَتْ بسبيل مناقَضَةِ الشرع، و{لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الحياة الدنيا}: أي: بالقتل والأسْر والجُدُوبِ وغير ذلك، و{أَشُقَّ}: من المشقَّة، أي: أصعب، والواقي الساتِرُ علَى جهة الحمايَةِ من الوقاية.
وقوله سبحانه: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا}: قد تقدم تفسير نظيره، وقوله: {أُكُلُهَا}: معناه: ما يؤكَلُ فيها.

.تفسير الآيات (36- 38):

{وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
وقوله سبحانه: {والذين آتيناهم الكتاب يَفْرَحُونَ...} الآية: قال ابن زيْدٍ: المراد بالآية: مَنْ آمَنَ مِنْ أهْل الكتاب؛ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وغيره.
قال * ع *: والمعنى مَدْحَهم، وباقي الآية بيِّن.

.تفسير الآيات (39- 43):

{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
وقوله سبحانه: {يَمْحُواْ الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ...}: المعنى أنَّ اللَّه سبحانه يمحو من الأمور ما يشاء، ويغيِّرها عن أحوالها مما سَبَقَ في علْمه مَحْوُهُ وتغييرُهُ، ويثبتها في الحَالةِ التي يَنْقُلُها إِليها حَسَبَ ما سَبَقَ في علْمه.
قال * ع *: وأصوَبُ ما يفسَّر به {أُمُّ الكتاب}: أنه كتاب الأمورِ المجزومَةِ التي قدْ سَبَقَ القضاء فيها بمَا هو كائنٌ، وسبق ألاَّ تبدَّل ويبقَى المحْوُ والتثبيت في الأمور التي سَبَقَ في القضاء أنْ تبدَّل وتمحَى وتُثْبَتَ؛ قال نحوه قتادة، وقوله سبحانه: {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ}: {إِن}: شرطٌ دخلَتْ عليها {ما}، وقوله: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ}، {أو} عاطفةٌ، وقوله: {فَإِنَّمَا}: جوابُ الشرط، ومعنى الآية: إِنْ نُبَقْكَ يا محمَّد، لترَى بعض الذي نَعِدُهم، أو نتوفينَّك قبل ذلك، فعلى كلا الوجْهَيْن، فإِنما يلزمُكَ البلاغَ فقَطْ، والضمير في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ}: عائد على كفَّار قريش؛ كالذي في {نَعِدُهُمْ}.
وقوله: {نَأْتِي}: معناه: بالقُدْرة والأمر. و{الأرض}: يريد بها اسم الجنس، وقيل: يريد أرض الكفَّار المذكورين، المعنى: أو لم يروا أنا نأتي أرْضَ هؤلاء بالفَتْح عليك، فننقصها بمَا يَدْخُلُ في دِينِكَ من القبائلِ والبلادِ المجاورَة لهم، فما يؤمنهم أنْ نمكِّنك منْهم أيضاً؛ قاله ابن عباس، وهذا على أن الآية مدنيَّةٌ، ومَنْ قال: إِن الأَرْضَ اسم جنسٍ، جعل انتقاص الأرض بتخريبِ العُمْران الذي يُحِلُّه اللَّه بالكُفَّار، وقيل: الانتقاص بمَوْت البشر، ونقْصِ الثمار والبَرَكَةِ، وقيل: بموتِ العلماءِ والأخيارِ؛ قاله ابن عباس أيضاً، وكلُّ ما ذكر يدخل في لفظ الآية، وجملةُ معنَى هذه الآية: الموعظَةُ وضَرْبُ المثل، وقال أبو عمر بن عَبْدِ البَرِّ في كتاب العلم بسنده عن عطاء بن أبي رَبَاح في معنَى {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قال: بذَهَابِ فقهائها، وخيار أهلها؛ وعن وكيع نحوه.
وقال الحسن: نقصانُهَا: هو بظهور المسلمين على المُشْركين.
قال أبو عمر: وقول عطاء في تأويل الآية حَسَنٌ جِدًّا، تلَقَّاه أهل العلْمِ بالقبول، وقولُ الحسن أيضاً حسن. انتهى.
وقوله سبحانه: {فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا}: أي: العقوبات التي أحلَّها بهم، وسمَّاها مكراً على عُرْفِ تسمية العقوبة باسم الذنب، وباقي الآية تحذيرٌ ووعيدٌ.
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً}: المعنى: ويكذِّبك يا محمَّد هؤلاءِ الكفرةُ؛ ويقولون: لستَ مرسلاً. {قُلْ كفى بالله شَهِيدًا}: أي: شاهداً بيني وبينكم، {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب}: قال قتادة: يريدُ مَنْ آمَنَ منهم؛ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وغيره، كَمُلَ تفسيرُ السُّورة، وصلى اللَّه على سيِّدنا محمَّد وآله وصَحْبِهِ وسلَّم تسليماً.

.تفسير سورة إبراهيم عليه السلام:

هذه السورة مكية إلا آيتين، وهما قوله عز وجل: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} إلى آخر الآيتين. ذكره مكي والنقاش.

.تفسير الآيات (1- 3):

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)}
قوله عزَّ وجلَّ: {الر كِتَابٌ أنزلناه إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} قال القاضِي ابنُ الطَّيب، وأبو المعالى وغيرهما: إِن الإِنزال لم يتعلَّق بالكلامِ القَدِيمِ الذي هو صفةُ الذاتِ، لكَنْ بالمعاني التي أفْهَمَهَا اللَّهُ تعالَى جِبْرِيلِ عليه السلام من الكَلاَم.
وقوله: {لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور}: في هذه اللفظةِ تشريفٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وعَمَّ الناس؛ إِذ هو مبعوثٌ إِلى جميعِ الخَلْق، وقرأ نافعٌ وابن عامرٍ: {اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأَرْضِ} برفع اسم اللَّه؛ على القطْعِ والابتداءِ، وقرأ الباقون بخَفْضِ الهَاء، {وَوَيْلٌ}: معناه: وشدَّةٌ وبَلاَءٌ، وباقي الآية بيِّن.

.تفسير الآيات (4- 6):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)}
وقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ...} الآية، هذه الآيةُ طَعْنٌ وردٌّ على المستغربين أمْرَ محمَّد صلى الله عليه وسلم، وباقي الآية بيِّن.
وقوله سبحانه لموسَى: {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ الله}: أي: عظْهم بالتهديدِ بِنِقَمِ اللَّهِ التي أحلَّها بالأمم الكَافرة قَبْلهم، وبالتَّعْديدِ لنعمه علَيْهم، وعَبَّرَ عن النعم وَالنِّقَمِ ب الأَيَّامِ؛ إِذ هي في أيامٍ، وفي هذه العبارةِ تعظيمُ هذه الكوائنِ المذكَّر بها، وفي الحديثِ الصحيحِ: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ أيَّامَ اللَّهِ...» الحديث، في قصة موسَى مع الخَضِرِ.
قال عياضٌ في الإِكمال: {أَيَّامِ الله}: نَعْمَاؤه وبلاؤه، انتهى. وقال الداوودي: وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «{وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ الله}: قال: بِنِعَمِ اللَّهِ» وعن قتادة: {لأيات لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}: قال: نعْمَ، واللَّهِ، العبدُ إِذا ابتلي صَبَرَ، وإِذا أُعْطِيَ شَكَرَ. انتهى.
وقال ابنُ العربيِّ في أَحكامه: وفي {أَيَّامِ الله} قولان: أحدهما: نعمه. والثاني: نقمه. انتهى.